قصر السبيعي بعد ترميمه |
محمد الحسيني:
بيت السبيعي في شقراء من الأماكن التي تسكن القلب بمجرد رؤيتها؛ فمنه يفوح شذى التاريخ المخلوط بصور ودلالات لا يمكن نسيانها، ويكفي هذا البيت ليكون شاهداً على التاريخ عبارة أوردها الكاتب والمؤرخ إبراهيم بن عبدالرحمن السدحان في كتابه "البيعة" فهو يذكر على لسان ابن عمه "محمد بن عبدالله السدحان" -رحمه الله- قوله: "إن الملك عبدالعزيز آل سعود كان إذا قدم إلى مدينة شقراء يجلس في بيت عبدالرحمن السبيعي، ويستقبل جماعة أهل شقراء في ذلك البيت عند السلام عليه، وذلك عام 1327ه، وعام 1333ه، وعام 1340ه، وعام 1347ه، وعام 1356ه، وكان أكثر جلوسه في حجرة المختصر".
ليس مجرد أثر
ولا شك أن البيت يستمد تاريخه من الحوادث التي عاصرها والفترة التاريخية التي كان شاهدًا عليها، حيث كان يقيم فيه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في رحلاته من الرياض إلى الحجاز ذهاباً وإياباً، ويمكث فيه مدة من الزمن يتفقد فيه أحوال المواطنين ويلبي متطلباتهم.
شاهد على «عصر التأسيس» و«التوحيد» و«نخوة الرجال» الأوفياء مع قادتهم..
ورغم ذلك يقول الشيخ "محمد بن حمد العيسى" إن الكثير للأسف لا يعرف قصر السبيعي إلاّ على أنه معلم أثري مجرد من كل محتوى، بينما التاريخ يشهد بخلاف ذلك لما لهذا القصر من أدوار متعددة في معركة البناء والتوحيد؛ فقد كان القصر دار حرب ودفاع، كما كان القصر بيت مال واقتصاد؛ فإليه تجبى زكوات الوشم والسر وبعض عالية نجد، بل كان داراً للشورى، ففيه يجتمع أهل الحل والعقد للتشاور في الخطابات الموجهة إليهم من الملك المؤسس رحمه الله.
ويرى الشيخ "عبد الرحمن السدحان" إمام وخطيب جامع المانع بشقراء أن الفترة التاريخية التي عاصرها قصر السبيعي هي فترة هامة في عمر الوطن، وتأسيس الدولة السعودية، وهو يذكر الجميع بالجهود الكبيرة التي بذلت في سبيل توحيد الكلمة، ولاشك أن هذا البيت وما كان يحدث فيه من اجتماعات للملك المؤسس -رحمه الله - وما كان يصدره من أوامر وتكاليف يؤرخ لهذه الفترة الهامة، وهو ما يتبادر إلى ذهن زائري القصر بمجرد دخوله والتجول فيه.
القصر قبل ترميمه |
بناء القصر
من جانبه يؤكد "أ.د. عبداللطيف بن محمد الحميد" أستاذ التاريخ عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن أهمية قصر السبيعي التاريخي في شقراء الذي تم تشييده سنة 1359ه؛ أنه كان مقراً لاستقبال الملك عبدالعزيز في زياراته لشقراء، ومركزاً مالياً لتوزيع القواعد السنوية "البروات" من البر والتمر على القضاة والأمراء والأئمة والمؤذنين وأهل العادات السنوية في شقراء والوشم والسر.
ويذكرالمؤرخ "إبراهيم بن عبدالرحمن السدحان" أن تاريخ بناء القصر يعود إلى العقد الثالث من القرن الرابع عشر حوالي عام 1327ه تقريباً؛ فقد بناه الشيخ عبدالله بن محمد السبيعي والد الشيخ عبدالرحمن السبيعي -رحمهم الله -، ويقال إن معلم البناء في ذلك الوقت هو "إبراهيم بن سلامه" -رحمه الله- من أهالي ثادق، وفي عام 1354ه اشترى الشيخ عبد الرحمن السبيعي النخل المجاور لبيته من جهة الشمال من إبراهيم بن شهوان، حيث كان النخل يشرب من بئر العويسية، فقطع معظم النخل، وشرع في البناء الجديد عام 1354ه وانتهى عام 1355ه.
ويتميز قصر السبيعي بالجودة والجمال، وقام ببنائه أساتذة ومعلمون وطنيون، وأشرف على البناء الجديد للقصر معلم البناء "حسن الهديلي" من أهالي ثادق، حيث تم بناء القصر وتنفيذ وتركيب النوافذ والسقوف والأعتاب والأبواب، بالإضافة إلى الأعمال الفنية من زخارف وألوان باستخدام مواد من البيئة المحلية من طين وأخشاب وحجر وغيرها.
رؤية الملك عبدالعزيز
وعندما قدم الملك عبدالعزيز إلى مدينة شقراء ورأى البناء الجديد في قصر عبدالرحمن السبيعي وتجول داخله أعجبه بناءه وحسن تصميمه وجمال زخرفته، فسأل الملك عبدالعزيزالشيخ السبيعي عن اسم الرجل الذي قام ببناء الزيادة الجديدة في القصر فأخبره باسمه وانه من أهل ثادق، فقال الملك أرسل إلى معلم البناء ليأتي إلينا في الرياض؛ لأننا عازمون على بناء قصر المربع وقصور الفوطة.