السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله جميعاً , و أهلاً و سهلاً بكم , في قسم التراث مع صحيفة ثادق الإلكترونية ~ونتمنى لكم قضاء وقت ممتع شكراَ لزيارتكم.


أعلام من ثادق: مغالبة حياة..مسيرة أب


تقريض
‏مغالبة حياة.. مسيرة أب
‏الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة. والصلاة والسلام على سيد البرية، وهادي البشرية، سيدنا محمد وعلى آله
‏وصحبة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ثمة سيرتان في مجال الأدب: سيرة ذاتية، وسيرة غيرية، فالأولى يكتبها الشخص بنفسه عن نفسه، والأخرى يكتبها الآخرون عن شخصيات معينة عرفوها .
‏وهذا الكتاب الذي بين يدينا يدخل في سياق السيرة الغيرية إذ كتبه ابن عن أبيه، ومن هنا ندرك قرب الكاتب من المكتوب عنه فهو أقرب الناس إليه وابنه الأكبر ورافقه في محطات كثيرة في حياته وعاصر أحداثًا كثيرة وقعت لوالده، فهو إذن شاهد عيان ولكنه ليس شاهدًا عاديا بل شاهد يقظ يملك ذاكرة حديدية ما شاء الله تبارك الله، ويملك ذهنا وقادًا، وقدرة غير عادية استطاعت أن ترصد وتستعيد وتصف وتقدم لنا الشخصية مدار العمل، وهو والده الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الماجد) بطريقة مذهلة وكأننا نراه بيننا يصلي ويقرأ القرآن ويمارس هواياته وأعماله اليومية في النخل وفي الصحراء وفي السفر وفي كل مكان، وليس ذلك فحسب بل نراه في سياق الجماعة وليس فردًا فقط، فهو حاضر في بلدته (ثادق)، وفي (الرياض) أحيانًا، وصوره المؤلف الأستاذ سليمان بن عبد الله الماجد بوصفه ناشطاً اجتماعيًا وشخصية اندماجية محبة
‏للعمل وللإنتاج ولخدمة بلدته (ثادق) وسكانها. والكتاب حافل بالقصص الواقعية التي كان المؤلف شاهدا عليها بحكم قرابته وقربه، واستقى بعضها الآخر من والدته ومن أصدقاء والده ومن مجايليه فوثق جوانب
‏شبه مجهولة أو متداولة في نطاق ضيق ليجعل منها في هذا الكتاب تاريخا ينطق. و يكشف الكتاب في سياق التأريخ لهذه الشخصية عن رجل سابق لعصره يفكر خارج الصندوق كما يقولون، ولو أتيح له أن يدرس دراسة أكاديمية لرأيناه ضمن المخترعين المتميزين إذ يتلذذ بمواجهة المشكلات وحلها بطريقة لا تخطر على بال أحد، ويعتمد في حلوله المبتكرة على أدوات تدخل في سياق المهمل والمرمي، ولكنه بفكره وذكائه الحاد يجعل منها أدوات نافعة، ولا أريد هنا استدعاء القصص التي تؤكد هذا الملمح في شخصيته، وأدعو القارئ الكريم لمطالعتها بتمامها دون
‏بتر مني أو تشويه. وهذه الشخصية العجيبة التي يتصدى المؤلف لتدوين سيرتها تأخذ بلبك وتشدك شدًا إذ يكشف الكتاب عن شخصية مرهفة الحس وقيادية، وبدت مظاهرها مبكرًا حين ارتاح لفتاة في شبابه المبكر، وجعل أحلامه وأمانيه كلها فيها، وتطلع للاقتران بها،
‏ولكن منافسا لم يخطر على باله خطفها من بين يديه ولم يستطع أن يقول كلمة لأن المنافس أبوه !
‏قصة عجيبة: عشق وارتياح، ثم فشل سريع، يتلوه شرود و حزن وزواج لم يدم طويلا مما يدل على عشق حقيقي وحب تملك قلبه. وهذا الموقف في مجتمع محافظ يبدو جديدًا وغير مألوف، ولكنها الشخصية
‏المتفردة التي يعز وجودها. ولا أود الاسترسال في بيان مزايا الكتاب وجوانبه المهمة وملامحه الجميلة إذ هو من جانب آخر شذرات من السيرة الذاتية للمؤلف جاءت متناثرة في زوايا الكتاب رغم أن المؤلف لا يتحدث عن نفسه وإنما يؤرخ لحياة أبيه، فجاء الكتاب سيرة غيرية وسيرة ذاتية في الوقت نفسه، وأرى أنه يصلح لفلم وثائقي لو تصدى له مخرج يتذوق الكلمة ويأنس الأطوار هذه الشخصية المتدينة العاشقة المبتكرة الباذلة المحبة للناس.


د. عبد الله عبد الرحمن عبد الله الحيدري

‏أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا


إعداد سليمان بن عبدالله الماجد


 

0 التعليقات:

إرسال تعليق